الذكاء الإصطناعي: العمود الفقري للتجارة الجديدة
يتحول الذكاء الإصطناعي بسرعة من كونه مجرد أداة مساعدة إلى ركيزة أساسية تقوم عليها جميع جوانب التجارة الإلكترونية. ففي عام 2025، سيصبح الذكاء الإصطناعي عنصراً محورياً في استراتيجيات النمو للشركات من جميع الأحجام. تشير التوقعات إلى أن سوق أدوات الكتابة بالذكاء الإصطناعي وحدها ستصل قيمتها إلى 6.5 مليار دولار بحلول عام 2030، بمعدل نمو سنوي مركب يتجاوز 26%.
وتقول سارة جونسون، المؤسسة المشاركة لشركة TechRetail المتخصصة في حلول التجارة الإلكترونية: “نشهد تحولاً جذرياً في كيفية إستخدام الشركات للذكاء الإصطناعي. ففي 2025، لن يكون هذا مجرد ميزة تنافسية بل شرطاً أساسياً للبقاء في السوق. الشركات التي لا تتبنى تقنيات الذكاء الإصطناعي ستجد نفسها متخلفة بشكل كبير عن المنافسين.”
ويتجلى هذا الإستخدام المتزايد للذكاء الإصطناعي في عدة مجالات. فالشركات تستخدم الذكاء الإصطناعي لتحليل مجموعات البيانات الضخمة، سواء كانت بيانات الكتالوجات أو وحدات التخزين التعريفية للمنتجات أو إدارة بيانات المخزون. كما أنها تعتمد على هذه التقنية لتقديم تجارب تسوق مخصصة من خلال فهم تفضيلات العملاء وسلوكياتهم على نطاق واسع، وتوفير إعلانات واتصالات مخصصة تتماشى مع احتياجات كل عميل.
وفقاً لدراسة حديثة أجرتها شركة Zendesk، فإن ما يقرب من 80% من قادة الأعمال يؤكدون أن التخصيص العميق يؤدي إلى الإحتفاظ بالعملاء بشكل أفضل، وأن 66% منهم يقولون إنه يؤدي إلى خفض تكاليف اكتساب العملاء. ويرغب حوالي 60% من المستهلكين في أن تقوم العلامات التجارية بجمع البيانات وإستخدامها لتخصيص تجاربهم.
نموذج السوق (Marketplace): محرك النمو المستقبلي
يستمر نموذج السوق الإلكتروني في إعادة تشكيل صناعة التجارة الإلكترونية، حيث أصبح قوة مهيمنة في كيفية تسوق المستهلكين عبر الإنترنت. توفر الأسواق الإلكترونية سهولة في ربط العملاء والبائعين، مما يوفر الراحة والتنوع وإمكانية الوصول بطريقة غير مسبوقة.
في عام 2014، شكلت الأسواق الإلكترونية 40% من مبيعات التجارة الإلكترونية العالمية. وبحلول عام 2024، نمت هذه النسبة لتصل إلى 67%. وقد نمت الأسواق الإلكترونية بمعدل ستة أضعاف أسرع من التجارة الإلكترونية التقليدية على أساس سنوي، مما يسلط الضوء على التأثير التحويلي في قطاع التجزئة.
يقول أحمد الشريف، المدير التنفيذي لمنصة RetailGrowth الإستشارية: “نحن نشهد تحولاً واضحاً نحو نموذج السوق الإلكتروني في عام 2025. فحتى أكبر متاجر التجزئة التقليدية تتبنى هذا النموذج لتوسيع نطاق عروضها وتخفيض تكاليف التشغيل. الأمر لم يعد يتعلق فقط بزيادة المبيعات، بل بإنشاء نظام بيئي متكامل يلبي جميع احتياجات العملاء في مكان واحد.”
مع نموذج السوق الإلكتروني، يمكن للشركات فتح العديد من الفرص، منها:
توسيع عروض المنتجات: تسمح الأسواق الإلكترونية لتجار التجزئة بتوسيع كتالوج منتجاتهم مما يوفر للعملاء المزيد من الخيارات.
تقليل تكاليف التشغيل: يمكن لتجار التجزئة تحويل تكاليف الخدمات اللوجستية والتخزين وإدارة المخزون إلى بائعين من الطرف الثالث، مما يمكن أن يحسن الربحية.
تحسين تجربة العملاء: تجذب راحة التسوق من مكان واحد العملاء، بينما يدفع تنوع المنتجات والأسعار التنافسية إلى رضا ولاء أعلى.
الوصول إلى أسواق جديدة: تبسط الأسواق الإلكترونية التوسع في فئات جديدة، مما يفتح فرصاً للوصول إلى شرائح إضافية من العملاء.
العائد الإعلاني للتجزئة: النموذج الجديد للنمو المستدام
أصبح الإعلان على منصات التجارة الإلكترونية (Retail Media) أحد أهم محركات النمو في عالم التجارة الإلكترونية. ففي عام 2025، سيشكل هذا القطاع عنصراً حاسماً في استراتيجية أي شركة تطمح للمنافسة في السوق العالمية.
كشفت دراسة أجرتها مجموعة بوسطن الإستشارية أن 44% من قادة الإبتكار حددوا الإعلان على منصات التجارة الإلكترونية كأولويتهم الأولى للإستثمارات في التجارة الإلكترونية. ومن المتوقع أن ترتفع هذه النسبة مع إدراك تجار التجزئة لقيمة الإستفادة من منصاتهم وبيانات العملاء لتقديم إعلانات أكثر استهدافاً وفعالية.
تقول ليلى عبد الكريم، المؤسسة والرئيسة التنفيذية لشركة MediaTrends المتخصصة في تحليل اتجاهات الإعلام الرقمي: “إن الإعلان على منصات التجارة الإلكترونية يمثل تحولاً جذرياً في كيفية تفكير الشركات في نموذج أعمالها. ففي السابق، كانت منصات التجارة الإلكترونية تركز فقط على بيع المنتجات. أما الآن، فإنها تدرك أن بياناتها وحركة المرور عليها تمثل أصولاً قيمة يمكن تحويلها إلى مصدر دخل إضافي من خلال الإعلانات المستهدفة.”
تسمح استراتيجية الإعلان على منصات التجارة الإلكترونية للتجار بتحقيق دخل من كل قناة مبيعات لديهم من خلال الإعلانات المستهدفة. ونتيجة لذلك، يمكن للشركات استقطاب طلب العملاء، وخفض تكاليف الإستحواذ، وتحسين رضا العملاء، ودفع النمو المستدام على المدى الطويل. وبالنسبة للبائعين، يساعد الإعلان على منصات التجارة الإلكترونية في تحسين قابلية اكتشافهم ويسهل تتبع المقاييس ذات الصلة.
وفي عام 2025، ستصبح هذه الإستراتيجية جزءاً لا يتجزأ من خطط التسويق للعديد من الشركات، خاصة مع تزايد صعوبة الإعتماد على منصات التواصل الإجتماعي التقليدية للوصول إلى العملاء نظراً لارتفاع تكاليفها وتعقيد خوارزمياتها.
التجارة الإجتماعية: التكامل بين المحتوى والشراء
شهدت التجارة الإجتماعية نمواً هائلاً في السنوات الأخيرة، ومن المتوقع أن تستمر هذه الطفرة خلال الأشهر القادمة. ففي العام الماضي، حققت التجارة الإجتماعية إيرادات بلغت نحو 570.7 مليار دولار، ويتوقع المحللون أن يتسع السوق إلى أكثر من 1.085 تريليون دولار بحلول عام 2028.
وتأتي هذه المبيعات حالياً من أكثر من 106 مليون مشترٍ، ولكن هذا الرقم قد ينمو ليصل إلى 118 مليون مشترٍ بحلول عام 2027، وفقاً لـ Insider Intelligence. كما تشير التقارير إلى أن متوسط المبلغ الذي ينفقه المشتري من المتوقع أن يتضاعف بين عامي 2023 و2027.
يقول محمد الفهد، خبير التسويق الرقمي والمؤسس المشارك لشركة SocialSell: “في عام 2025، لن تكون التجارة الإجتماعية مجرد قناة مبيعات إضافية، بل ستصبح محور استراتيجية التجارة الإلكترونية للعديد من العلامات التجارية. سنشهد اندماجاً أعمق بين تجربة المحتوى وتجربة التسوق، بحيث يصبح الإنتقال من مشاهدة المحتوى إلى إتمام عملية الشراء سلساً تماماً.”
وبينما تراجعت Facebook وInstagram عن بعض مبادراتهما في مجال التسوق الإجتماعي، فإن TikTok أصبح أكثر تركيزاً على التجارة الإلكترونية من أي وقت مضى. تظهر الأبحاث أن 15.8 مليون مشترٍ جديد عبر وسائل التواصل الإجتماعي سيتوافدون على TikTok بحلول نهاية عام 2026.
أطلقت المنصة قدرات TikTok Shop للجميع في الولايات المتحدة في سبتمبر 2023، مما يعني أن المستخدمين يمكنهم شراء المنتجات مباشرة من مقاطع فيديو TikTok أو من علامة تبويب المتجر في المنصة. وتوقع مسؤولو TikTok أن مبيعات التجارة الإلكترونية العالمية الخاصة بهم ستتجاوز 20 مليار دولار في عام 2023، بعد أن كانت 4.4 مليار دولار فقط في عام 2022.
تجربة التسوق المُعززة: إندماج الواقع المعزز في رحلة المستهلك
مع استمرار تطور التكنولوجيا، أصبح الواقع المعزز (AR) عنصراً محورياً في تحويل تجربة التسوق الإلكتروني من مجرد عملية شراء إلى تجربة تفاعلية غامرة. بحلول عام 2025، سيصل عدد مستخدمي تقنيات الواقع المعزز إلى 1.7 مليار شخص على مستوى العالم، مما يشكل فرصة هائلة لقطاع التجارة الإلكترونية.
تظهر البيانات أن أكثر من نصف المستهلكين يستخدمون ميزات الواقع المعزز عند التسوق، وأن 55% منهم يقولون إن الواقع المعزز يجعل تجربة التسوق أكثر إثارة، بينما 40% من المستهلكين مستعدون لدفع مبلغ أكبر مقابل منتج إذا تمكنوا من استخدام الواقع المعزز لتجربته أولاً.
يوضح خالد المنصوري، المدير التنفيذي للإبتكار في شركة FutureRetail: “الواقع المعزز لم يعد ترفاً تكنولوجياً، بل أصبح أداة أساسية لتعزيز تجربة التسوق وتقليل نسبة إرجاع المنتجات. ففي 2025، ستتنافس العلامات التجارية على تقديم أفضل تجارب الواقع المعزز التي تسمح للمستهلكين بتجربة المنتجات في بيئتهم الواقعية قبل الشراء.”
وقد بدأت العلامات التجارية الكبرى بالفعل في استغلال هذه الفرصة. ففي أكتوبر 2023، أعلنت Google أن علامات التجميل في مجال التجارة الإلكترونية ستتمكن الآن من بناء إعلانات مدعومة بالواقع المعزز. يمكن للمتسوقين البحث عن منتج على Google، وتحديده، واستخدام الواقع المعزز لتجربته مباشرة من Google دون الحاجة إلى زيارة موقع العلامة التجارية.
نجحت متاجر Bloomingdales في زيادة معدل مشاركة العملاء بنسبة 38% وزيادة معدل التحويل بنسبة 22% عند استخدام الكتالوجات المُعززة بتقنية الواقع المعزز. وعندما يقوم العميل بمسح العناصر المُمكّنة بتقنية الواقع المعزز ضوئياً، يتمكن من رؤية العارضين وهم يتجولون بالملابس في الواقع.
التجارة السريعة: طلبات اليوم تصل في نفس اليوم
يدفع طلب المستهلكين نمو التجارة السريعة، وهي مفهوم توفير توصيل سريع للغاية لمنتجات التجارة الإلكترونية. في عام 2025، سيصبح التوصيل السريع عاملاً حاسماً في اختيارات المستهلكين بين العلامات التجارية المختلفة.
في أبريل 2023، كان متوسط الوقت بين تقديم الطلب والتسليم النهائي أربعة أيام، مقارنة بـ 5.6 يوم قبل عام واحد فقط. لكن بالنسبة للعديد من المستهلكين، فإن هذا ليس سريعاً بما يكفي.
وجدت دراسة حديثة أن 86% من المستهلكين يعتبرون أن العناصر التي تصل في غضون يومين أو أقل تمثل توصيلاً سريعاً. وأكثر من 60% من المستهلكين سيتحولون إلى تجار تجزئة آخرين إذا وصلت العناصر خارج هذا الإطار الزمني. كما وجدت الدراسة أن 55% من المستهلكين على استعداد لدفع 5 دولارات مقابل التوصيل في نفس اليوم.
تقول فاطمة الزهراء، المديرة التنفيذية لشركة ExpressLogistics المتخصصة في خدمات التوصيل السريع: “في عام 2025، سيتوقع المستهلكون أن تصل طلباتهم في غضون ساعات، وليس أيام. وهذا يدفع الشركات إلى إعادة التفكير في سلاسل التوريد الخاصة بها وإنشاء مراكز توزيع قريبة من العملاء. سنرى المزيد من المتاجر المظلمة (Dark Stores) التي تعمل كمراكز وفاء محلية للطلبات الإلكترونية.”
من المتوقع أن ينمو سوق التجارة السريعة (المعرَّف بأنه توصيل أي نوع من السلع في غضون 30 دقيقة)، بمعدل نمو سنوي مركب قدره 16.4% حتى عام 2032 عندما يمكن أن تصل قيمته إلى 603 مليار دولار.
الشحن المستدام: التوازن بين السرعة والبيئة
مع تزايد وعي المستهلكين بالقضايا البيئية، أصبحت الإستدامة عاملاً رئيسياً في قرارات الشراء، وبحلول عام 2025، ستكون ممارسات الشحن المستدامة ميزة تنافسية حاسمة للشركات العاملة في مجال التجارة الإلكترونية.
تظهر البيانات أن كمية مواد التعبئة والتغليف الكرتونية المستخدمة في الشحن والتوصيل في الولايات المتحدة في أربعة أشهر فقط يمكن أن ترصف طريقاً بعرض ميل واحد من مدينة نيويورك إلى لوس أنجلوس والعودة. وبينما يتم إعادة تدوير بعض مواد التغليف، فإن ما يصل إلى 31% منها لا يُعاد تدويره.
ليس هذا سيئاً للبيئة فحسب، بل إنه سيئ أيضاً للعلامات التجارية. ذكرت دراسة استقصائية أجريت في عام 2023 أن 82% من المستهلكين على استعداد لدفع المزيد مقابل التغليف المستدام وأن 63% يقولون إنهم أقل عرضة لشراء المنتجات إذا كانت معبأة بطريقة تضر بالبيئة.
يقول عمر الراشد، مؤسس شركة GreenPackaging المتخصصة في حلول التغليف الصديقة للبيئة: “نحن نشهد تحولاً كبيراً في تفضيلات المستهلكين نحو الإستدامة. في عام 2025، لن تكون مواد التغليف القابلة للتحلل والخالية من البلاستيك مجرد خيار، بل ستكون ضرورة للعلامات التجارية التي ترغب في كسب ولاء المستهلكين. العلامات التجارية التي تتبنى ممارسات الشحن المستدامة ستكون في وضع أفضل للمنافسة في سوق متزايد الوعي بيئياً.”
بدأت العديد من العلامات التجارية في التحول نحو بدائل الكرتون والبلاستيك مثل التغليف القابل للذوبان في الماء، والتغليف القائم على الفطر، والتغليف القائم على الأعشاب البحرية. وتوفر هذه البدائل المستدامة تجربة مميزة للعملاء مع تقليل الأثر البيئي للتجارة الإلكترونية.
حلول الدفع الإبتكارية: تنوع الخيارات وسهولة الإستخدام
في عام 2025، ستلعب حلول الدفع الإبتكارية دوراً محورياً في تشكيل تجربة التسوق الإلكتروني وتحديد نجاح العلامات التجارية. يتمحور المستهلكون اليوم حول الراحة، ومن خلال تقديم خيارات الدفع التي يريدها المستهلكون، يمكن لشركات التجارة الإلكترونية تعزيز مبيعاتها.
في الواقع، يقول ما يقرب من 60% من المستهلكين إن توافر خيارات الدفع المريحة هو عامل أساسي عند إجراء عملية شراء إلكترونية. وأظهرت إحدى الدراسات الإستقصائية أن 65% من جيل Z سيتخلون عن عملية شراء عبر الإنترنت إذا لم يكن خيار الدفع الذي يريدونه متاحاً. ويقفز هذا الرقم إلى ما يقرب من 80% عند النظر إلى مستهلكي جيل الألفية.
يقول خبير التكنولوجيا المالية ياسر العلوي: “في عام 2025، سيتوقع المستهلكون مجموعة واسعة من خيارات الدفع، من المحافظ الرقمية إلى الدفع عبر العملات المشفرة وخيارات الدفع الآجل. العلامات التجارية التي توفر تجربة دفع سلسة ومتعددة الخيارات ستحقق معدلات تحويل أعلى وقيمة طلبات أكبر.”
أصبحت المحافظ الرقمية مثل Apple Pay وShopify Pay وGoogle Pay راسخة بقوة في مشهد مدفوعات التجارة الإلكترونية. تظهر بيانات Statista أن 49% من معاملات التجارة الإلكترونية العالمية في عام 2022 تمت من خلال المحافظ الرقمية، ومن المتوقع أن ترتفع هذه النسبة إلى 54% بحلول عام 2026.
كما تتكاثر خيارات الشراء الآن والدفع لاحقاً (BNPL). فبينما كانت مقدمو خدمات BNPL مثل Klarna وAffirm موجودين منذ فترة، فقد ظهرت مؤخراً خدمات جديدة مثل Apple Pay Later. من المتوقع أن يمثل عدد الأشخاص الذين يستخدمون BNPL أكثر من 40% من المستهلكين عبر الإنترنت في عام 2023 – وهو رقم قياسي. قد يصل إجمالي الإنفاق عبر BNPL إلى ما يقرب من 95 مليار دولار بحلول نهاية عام 2024.
إستراتيجيات الإستحواذ على العملاء في عالم متزايد التكلفة
مع ارتفاع تكاليف الإستحواذ على العملاء وزيادة المنافسة، تواجه الشركات في عام 2025 تحديات كبيرة في جذب عملاء جدد وبناء قاعدة عملاء مخلصة. وفي هذه البيئة التنافسية، أصبحت الإستراتيجيات المبتكرة للإستحواذ على العملاء أكثر أهمية من أي وقت مضى.
يقول نادر الحمداني، خبير التسويق الرقمي ومؤسس شركة CustomerFirst الإستشارية: “في عام 2025، لن تكون الإعلانات المدفوعة التقليدية كافية لبناء قاعدة عملاء قوية. ستحتاج الشركات إلى إتباع نهج متعدد القنوات يجمع بين بناء المحتوى عالي الجودة، وبرامج الولاء المبتكرة، والتسويق بالنفوذ الأصيل، والإستفادة من البيانات لتحقيق التخصيص الشخصي العميق.”
وفقاً لإحصائيات حديثة، ارتفعت تكلفة الإستحواذ على العملاء بنسبة 60% في السنوات الخمس الماضية، ومن المتوقع أن تستمر في الارتفاع. لذلك تركز الشركات الناجحة على زيادة قيمة العميل مدى الحياة (Customer Lifetime Value) وتقليل معدلات التسرب من خلال تجارب مخصصة وخدمة عملاء إستثنائية.
تلعب قنوات التسويق المملوكة (Owned Marketing Channels) دوراً محورياً في هذه الإستراتيجية. تُظهر البيانات أن رسائل البريد الإلكتروني والرسائل النصية المؤتمتة تمثل 41% من جميع طلبات التسويق عبر البريد الإلكتروني من 2% فقط من الرسائل، ومع ذلك لا تستخدم العديد من العلامات التجارية الأتمتة بشكل كامل. من المتوقع أن يكون هذا محور اهتمام قوي للعلامات التجارية حيث تبحث عن مجالات إضافية داخل الأتمتة لزيادة مشاركة العملاء والمبيعات.
التخصيص الدقيق: من التجزئة الواسعة إلى الخدمة الفردية
في السوق التنافسية للتجارة الإلكترونية اليوم، تحتاج العلامات التجارية إلى طريقة لجذب انتباه المستهلك والحفاظ على ولائه. يعد التخصيص الشخصي إحدى الطرق لتحقيق ذلك. من خلال تلبية الإحتياجات والرغبات المحددة لكل عميل، يمكن لشركات التجارة الإلكترونية تقديم تجربة تسوق مخصصة تدفع الإيرادات.
تؤكد دراسة من Zendesk هذا التوجه. فقد قال ما يقرب من 80% من القادة إن التخصيص العميق يؤدي إلى الإحتفاظ بالعملاء بشكل أفضل و66% يقولون إنه يؤدي إلى خفض تكاليف اكتساب العملاء. وما يقرب من 60% من المستهلكين يريدون من العلامات التجارية جمع البيانات واستخدامها لتخصيص تجاربهم.
تقول سمر العزاوي، مديرة تطوير المنتجات في شركة DataDriven للحلول التقنية: “في عام 2025، سيتوقع المستهلكون مستوى من التخصيص الشخصي لم يكن ممكناً من قبل. فلم يعد الأمر يقتصر على معرفة اسم العميل، بل يتعلق بفهم تفضيلاته ونمط حياته وتقديم تجربة تسوق تشعره وكأنها صممت خصيصاً له. الشركات التي تستثمر في التخصيص المدعوم بالذكاء الإصطناعي ستحقق ميزة تنافسية كبيرة.”
في إحدى الدراسات الإستقصائية، قال 71% من العلامات التجارية التي استثمرت في تجارب العملاء الغامرة إنها تركز على أدوات الذكاء الإصطناعي للتخصيص. وقد رأى أكثر من 60% منها زيادات في معدل النقر، ووقت البقاء على الموقع، ودرجات صافي المروج.
مثال على التخصيص الشخصي قيد التنفيذ يأتي من Saks Fifth Avenue. يفيد مدير التسويق في الشركة بأن التواصل مع العملاء يتم تخصيصه باستخدام 250 نقطة بيانات بما في ذلك بيانات التسوق التاريخية والسمات التنبؤية. وهذا المستوى من الدقة يسمح للشركة بتقديم العروض المناسبة للعملاء المناسبين في الوقت المناسب.
التجارة الإلكترونية الشاملة: تلبية احتياجات جميع المستهلكين
ينمو إتجاه مهم آخر في عالم التجارة الإلكترونية لعام 2025 وهو التركيز على الشمولية وإمكانية الوصول. فبينما تتوسع التجارة الإلكترونية عالمياً، أصبح من الضروري أن تكون المنصات والخدمات متاحة للجميع، بغض النظر عن قدراتهم أو خلفياتهم.
تقول نوال الهاشمي، مستشارة إمكانية الوصول الرقمي: “مع تزايد الإعتماد على المنصات الرقمية للتسوق والخدمات، أصبحت إمكانية الوصول ليست مجرد مسألة إمتثال قانوني بل هي فرصة تجارية كبيرة. في عام 2025، ستتميز المنصات التي تقدم تجربة سلسة للمستخدمين من جميع القدرات وستفتح أسواقاً جديدة لم تكن متاحة من قبل.”
تشير الإحصاءات إلى أن أكثر من مليار شخص حول العالم – حوالي 15% من سكان العالم – يعيشون مع شكل من أشكال الإعاقة. هؤلاء المستهلكون يمثلون سوقاً بقيمة تريليونات الدولارات، وفقاً لتقرير من البنك الدولي. ومع ذلك، فإن العديد من مواقع التجارة الإلكترونية لا تزال غير متاحة بالكامل.
في عام 2025، سنشهد المزيد من العلامات التجارية التي تعطي الأولوية لإمكانية الوصول من خلال تبني تقنيات مثل القراء الشاشة، ومساعدات التنقل بلوحة المفاتيح، وواجهات التحكم الصوتي، والنصوص البديلة للصور، والترجمة متعددة اللغات. هذه الميزات لا تفيد فقط الأشخاص ذوي الإعاقة، بل تحسن أيضاً تجربة المستخدم لجميع العملاء.
مستقبل التكامل بين المتاجر الفعلية والتجارة الإلكترونية
على الرغم من النمو الهائل للتجارة الإلكترونية، فإن المتاجر الفعلية لن تختفي. بدلاً من ذلك، في عام 2025، سنشهد تكاملاً أكثر سلاسة بين تجارب التسوق عبر الإنترنت وداخل المتجر، مما يخلق ما يسمى بتجربة “أومني-تشانل” الحقيقية.
يقول طارق المصري، مدير إستراتيجيات البيع بالتجزئة في شركة RetailFuture الإستشارية: “المستقبل ليس مجرد إما/أو بين التجارة الإلكترونية والمتاجر الفعلية. بل هو عن كيفية دمج هذين العالمين لتقديم تجربة تسوق موحدة تجمع بين ميزات كل منهما. في عام 2025، ستكون الحدود بين القنوات الرقمية والفعلية أقل وضوحاً من أي وقت مضى.”
تظهر البيانات أن ما يقرب من ثلاثة أرباع المستهلكين من المرجح أن يستخدموا أجهزتهم في المتجر للقيام بأشياء مثل استخدام تطبيق بائع التجزئة، ومسح رموز QR، وإرسال رسائل نصية للإنضمام إلى برنامج الولاء، وقراءة مراجعات المنتجات. ووفقاً لشركة PwC، فإن استخدام تطبيق أو موقع ويب لبائع التجزئة للعثور على منتج ثم تحديد موقعه في المتجر جذاب بشكل خاص لأكثر من 40% من المستهلكين.
في عام 2025، سنرى المزيد من التقنيات المبتكرة مثل المرايا الذكية التي تسمح للمتسوقين بتجربة الملابس افتراضياً، والدفع السريع عبر الهاتف المحمول دون الحاجة إلى الإنتظار في طوابير، وإشعارات مخصصة تعتمد على الموقع عندما يدخل المتسوق إلى المتجر. هذه التقنيات لا تعزز فقط تجربة العملاء، بل تسمح أيضاً لتجار التجزئة بجمع بيانات قيمة حول سلوك المتسوقين وتفضيلاتهم.
خاتمة
مع اقترابنا من عام 2025، نشهد تحولات جذرية في عالم التجارة الإلكترونية. الذكاء الإصطناعي، والتخصيص الشخصي، ونموذج السوق الإلكتروني، والتجارة الإجتماعية، والعائد الإعلامي للتجزئة ليست مجرد اتجاهات عابرة بل هي قوى محركة ستشكل مستقبل التجارة لسنوات قادمة.
العلامات التجارية التي ستنجح في هذه البيئة الجديدة هي تلك التي تتبنى هذه الإتجاهات وتستثمر في التكنولوجيا والإبتكار، مع الحفاظ على التركيز على تجربة العميل والقيمة. في نهاية المطاف، وبغض النظر عن التطورات التكنولوجية، ستظل العلاقة بين العلامة التجارية والعميل هي جوهر التجارة الناجحة.
يلخص هذا أحمد القاسم، الرئيس التنفيذي لشركة FutureCommerce الإستشارية، بقوله: “رغم كل التقنيات والأدوات الجديدة، فإن جوهر النجاح في التجارة الإلكترونية لعام 2025 سيظل هو نفسه: فهم عميق لاحتياجات العملاء وتقديم قيمة حقيقية تلبي هذه الإحتياجات بطريقة سلسة ومريحة. الشركات التي تستخدم التكنولوجيا لخدمة هذا الهدف – وليس لمجرد مواكبة أحدث الإتجاهات – هي التي ستزدهر في المشهد التجاري المتطور باستمرار.”
10 كتب مقترحة للإطلاع
“التجارة الإلكترونية 3.0: كيف يغير الذكاء الإصطناعي مستقبل البيع بالتجزئة” – د. مايكل سميث: يستكشف هذا الكتاب الأمريكي الحائز على جوائز كيف يعيد الذكاء الإصطناعي تشكيل تجربة التسوق الإلكتروني من الألف إلى الياء، مقدماً أمثلة عملية من العلامات التجارية الرائدة.
“إستراتيجية السوق الإلكتروني: دليل تحول الأعمال” – سارة جونسون: كتاب شامل يشرح كيفية تحويل الأعمال التقليدية إلى نموذج سوق إلكتروني ناجح، مع دراسات حالة من أكبر الأسواق الإلكترونية في العالم.
“مستقبل التجارة الإجتماعية” – لوري ويلسون: استكشاف متعمق لتقاطع وسائل التواصل الإجتماعي والتجارة الإلكترونية، مع رؤى حول كيفية تحويل المتابعين إلى مشترين وبناء مجتمعات قوية حول العلامة التجارية.
“الإبتكار في سلسلة التوريد: التجارة السريعة وتحديات التوصيل الأخير” – روبرت تشانغ: كتاب أمريكي يستعرض التحديات والفرص في مجال التوصيل السريع، وكيف تعيد التكنولوجيا تشكيل سلاسل التوريد للتجارة الإلكترونية.
“ثورة التجارة الإلكترونية في العالم العربي” – د. عمر الشريف: يستكشف هذا الكتاب تحول المشهد التجاري في المنطقة العربية وكيف تتكيف الشركات المحلية مع التغيرات العالمية مع الحفاظ على الخصوصية الثقافية.
“الإستدامة في التجارة الإلكترونية: البيئة والقيم والربحية” – جيسيكا براون: تحليل شامل لكيفية دمج الإستدامة في استراتيجيات التجارة الإلكترونية وتحويلها إلى ميزة تنافسية.
“العميل أولاً: استراتيجيات التخصيص في عصر البيانات الضخمة” – أ. د. ناصر العوضي: كتاب عربي قيم يشرح كيفية استخدام البيانات لتقديم تجارب مخصصة للعملاء في سوق التجارة الإلكترونية العربي المتنامي.
“الواقع المعزز والتجارة: تحويل تجربة التسوق” – إليزابيث تايلور: استكشاف مثير لكيفية استخدام تقنيات الواقع المعزز لخلق تجارب تسوق غامرة ومقنعة.
“من المتجر إلى الإنترنت: دليل التحول الرقمي للشركات العربية” – م. هاني الزبيدي: دليل عملي للشركات العربية الراغبة في الإنتقال من التجارة التقليدية إلى الفضاء الرقمي، مع نصائح تراعي خصوصيات السوق العربي.
“مستقبل المدفوعات: رؤية الإقتصاد الرقمي الجديد” – بول جونسون: نظرة شاملة على كيفية تغير التكنولوجيا المالية للطريقة التي ندفع بها وتأثيرها على التجارة الإلكترونية والإقتصاد العالمي.
إحصائيات مفيدة //
من المتوقع أن يصل حجم سوق التجارة الإلكترونية العالمي إلى 7.3 تريليون دولار بحلول عام 2025، بزيادة كبيرة عن 5.5 تريليون دولار في عام 2022.
بحلول عام 2025، سيشكل التسوق عبر الهاتف المحمول 72.9% من إجمالي مبيعات التجارة الإلكترونية، مقارنة بـ 67.2% في عام 2023.
86% من المستهلكين يعتبرون التوصيل الذي يتم في غضون يومين أو أقل توصيلاً سريعاً، وأكثر من 60% منهم سيغيرون تاجر التجزئة إذا لم يتم التوصيل في هذا الإطار الزمني.
92% من المستهلكين أكثر عرضة للقيام بعملية شراء أخرى بعد تجربة عميل إيجابية، بينما يتوقف 40% عن الشراء من علامة تجارية بعد تلقي خدمة عملاء سيئة.
من المتوقع أن ينمو سوق التجارة السريعة (توصيل البضائع في غضون 30 دقيقة) بمعدل نمو سنوي مركب قدره 16.4% حتى عام 2032، ليصل إلى قيمة 603 مليار دولار.
80% من مشتري الأعمال يفضلون الأسواق الإلكترونية على منصات التجارة الإلكترونية التقليدية، مما يعكس تحولاً كبيراً في تفضيلات المشترين.
71% من العلامات التجارية التي استثمرت في تجارب العملاء الغامرة تركز على أدوات الذكاء الإصطناعي للتخصيص، وشهد أكثر من 60% منها زيادات في معدل النقر ووقت البقاء على الموقع.
أسئلة شائعة !
كيف سيؤثر الذكاء الإصطناعي على وظائف التجارة الإلكترونية في عام 2025؟
يتوقع الخبراء أن الذكاء الإصطناعي سيؤتمت العديد من المهام الروتينية في التجارة الإلكترونية، مثل إدارة المخزون وخدمة العملاء الأساسية وإنشاء المحتوى. وفقاً لتقديرات Gartner، سيؤدي استخدام أدوات الذكاء الإصطناعي إلى تخفيض عدد موظفي خدمة العملاء والدعم في الشركة بنسبة 20% إلى 30% بحلول عام 2026. ومع ذلك، سيخلق الذكاء الإصطناعي أيضاً وظائف جديدة تتطلب مهارات متقدمة في تحليل البيانات وتصميم تجارب المستخدم وإدارة استراتيجيات الذكاء الإصطناعي.
ما هو مستقبل المتاجر الفعلية في ظل نمو التجارة الإلكترونية؟
على الرغم من النمو المستمر للتجارة الإلكترونية، فإن المتاجر الفعلية لن تختفي. بدلاً من ذلك، ستتطور لتصبح جزءاً من تجربة متكاملة متعددة القنوات. في عام 2025، ستتحول العديد من المتاجر الفعلية إلى مراكز تجربة حيث يمكن للعملاء تجربة المنتجات قبل شرائها عبر الإنترنت، أو نقاط استلام للطلبات الإلكترونية، أو “متاجر مفاهيمية” تعرض هوية العلامة التجارية وقيمها. المتاجر التي ستنجح هي التي تدمج التكنولوجيا الرقمية لتحسين تجربة التسوق داخل المتجر.
كيف يمكن للشركات الصغيرة والمتوسطة المنافسة في سوق التجارة الإلكترونية المتزايد التنافسية؟
يمكن للشركات الصغيرة والمتوسطة المنافسة بفعالية من خلال التركيز على التخصص في فئات محددة، وبناء مجتمعات قوية حول علاماتها التجارية، والإستفادة من الأسواق الإلكترونية القائمة للوصول إلى جمهور أوسع. كما يمكنها تبني التقنيات السحابية والحلول SaaS لتقليل التكاليف مع الحصول على قدرات متقدمة. أهم نصيحة للشركات الصغيرة هي التركيز على تقديم تجارب عملاء إستثنائية وشخصية، وهو ما تفتقر إليه غالباً الشركات الكبرى.
ما هي التحديات الأمنية الرئيسية التي ستواجه التجارة الإلكترونية في عام 2025؟
مع تزايد حجم المعاملات الإلكترونية وكمية البيانات المعالجة، ستواجه التجارة الإلكترونية تحديات أمنية متزايدة. أبرز هذه التحديات ستشمل: الهجمات السيبرانية المتطورة التي تستهدف بيانات الدفع والمعلومات الشخصية، والإحتيال المتقدم بالذكاء الإصطناعي، وخروقات البيانات في سلاسل التوريد المتكاملة. سيكون على الشركات الإستثمار في تقنيات أمنية متقدمة مثل المصادقة متعددة العوامل، والتشفير من طرف إلى طرف، وحلول الأمن القائمة على الذكاء الإصطناعي للتصدي لهذه التهديدات.
كيف ستؤثر اتجاهات الإستدامة على التجارة الإلكترونية في المستقبل القريب؟
سيكون للإستدامة تأثير عميق على استراتيجيات التجارة الإلكترونية في عام 2025. مع تزايد وعي المستهلكين بالقضايا البيئية، ستضطر الشركات إلى تبني ممارسات أكثر استدامة في جميع جوانب عملياتها، من المنتجات والتغليف والشحن إلى مراكز البيانات. نرى بالفعل هذا التحول مع 82% من المستهلكين المستعدين لدفع المزيد مقابل التغليف المستدام. الشركات التي تبني الإستدامة في صميم عملياتها وليس كمجرد حملة تسويقية ستكون في وضع أفضل للنجاح على المدى الطويل.
وهكذا نصل إلى ختام مقالتنا حول اتجاهات التجارة التي ستهيمن في عام 2025. مع تسارع وتيرة التغيير التكنولوجي والإقتصادي، يصبح من المهم أكثر من أي وقت مضى للشركات أن تظل مرنة ومستعدة للتكيف مع المشهد المتغير. ولكن في خضم كل هذه التغييرات، يظل المبدأ الأساسي للتجارة الناجحة ثابتاً: فهم عميق لاحتياجات العملاء وتقديم قيمة حقيقية تلبي هذه الإحتياجات بطريقة سلسة وممتعة. الشركات التي تمزج بين التكنولوجيا المتقدمة والإهتمام الحقيقي بتجربة العميل هي التي ستزدهر في المستقبل الرقمي المشرق.