التضخم الاقتصادي: عندما تصبح السلع أسرع من راتبك!
التضخم الاقتصادي يبدو وكأنه العدو الخفي في حياتنا المالية، فهو يشبه ذلك الضيف الذي يظهر فجأة في حفلة لم تدعه إليها، ويأخذ من طعامك وشرابك ويختفي دون ترك أثر. لكن في الحقيقة، التضخم أكثر من ذلك بكثير؛ إنه يترك أثرًا كبيرًا على حياتنا، وعلى تجارة التجزئة بشكل خاص، التي تعتمد بشكل كبير على أسعار المنتجات والقدرة الشرائية للمستهلك.
ما هو التضخم الاقتصادي؟
التضخم هو ارتفاع عام في أسعار السلع والخدمات بمرور الوقت، مما يؤدي إلى تقليل القوة الشرائية للنقود. بمعنى آخر، مع التضخم، ما كان بإمكانك شراؤه اليوم بمبلغ معين سيكلفك أكثر في المستقبل. إنه يعني أن “ريالك” اليوم قد لا يكون له نفس القوة غدًا.
وفقًا لدراسة أجرتها مؤسسة النقد الدولي في عام 2023، ارتفع التضخم العالمي بنسبة 5.9% مقارنة بالعام الماضي، وهذا يعني ببساطة أن المستهلكين في جميع أنحاء العالم شعروا بتأثيرات ارتفاع الأسعار في كل شيء من البقالة إلى الملابس.
كيف يؤثر التضخم على تجارة التجزئة؟
ارتفاع تكاليف الإنتاج والتوزيع
تجار التجزئة يعتمدون على سلاسل التوريد العالمية والمحلية لجلب المنتجات إلى رفوف المتاجر. مع ارتفاع أسعار المواد الخام والطاقة والنقل بسبب التضخم، ترتفع تكاليف الإنتاج والتوزيع. بالطبع، هذه الزيادة تنعكس على أسعار المنتجات النهائية التي يشتريها المستهلكون.انخفاض القدرة الشرائية للمستهلكين
عندما ترتفع الأسعار ولا تزيد الرواتب بنفس الوتيرة، يجد المستهلك نفسه مضطرًا لتخفيض إنفاقه. وفقًا لاستطلاع حديث، 73% من المستهلكين قالوا إنهم بدأوا في البحث عن خصومات وعروض أكثر بسبب تأثير التضخم على قدرتهم الشرائية.تراجع الولاء للعلامات التجارية
في ظل الضغوط المالية الناتجة عن التضخم، يتحول المستهلكون إلى البحث عن المنتجات الأرخص، حتى لو كان ذلك يعني تغيير العلامة التجارية التي اعتادوا عليها. قد يرى المستهلك أن شراء المنتج الأرخص من علامة تجارية أخرى يوفر له بعض المال، على الرغم من أنه كان معتادًا على علامة معينة لسنوات.تحديات للمخزون وإدارة الأسعار
مع تذبذب الأسعار بسبب التضخم، يجد تجار التجزئة صعوبة في التنبؤ بالطلب وإدارة المخزون. فعلى سبيل المثال، قد ينخفض الطلب على منتج معين بسبب ارتفاع سعره، مما يجعل المخزون غير متحرك ويفرض على المتجر تكلفة إضافية.
دور (أو بى إس) في مواجهة التضخم في تجارة التجزئة
من بين الحلول الحديثة التي لجأت إليها شركات تجارة التجزئة لمواجهة التضخم الاقتصادي، تأتي استراتيجية (أو بى إس) “Optimization-Based Pricing”، وهي تعتمد على تحليل البيانات الكبيرة لتحديد الأسعار المثلى. من خلال استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي وتحليل الأسواق بشكل دقيق، يمكن للشركات تعديل أسعارها بشكل ديناميكي بناءً على الطلب والتكاليف. وفقًا لدراسة نشرتها “ماكينزي” في 2024، الشركات التي اعتمدت على (أو بى إس) شهدت زيادة بنسبة 4% في أرباحها رغم التحديات الاقتصادية.
خاتمة: تأثير التضخم في جيبك وفي جيب بائع التجزئة!
في النهاية، التضخم يؤثر على الجميع. ربما عندما تذهب إلى السوبرماركت وتجد أن علبة الحليب التي كنت تشتريها منذ شهرين قد زادت في السعر مرة أخرى، تتساءل “لماذا؟”. الحقيقة أن التضخم يؤثر ليس فقط على جيبك كمستهلك، بل أيضًا على جيب صاحب المتجر. كما يقال في عالم الأعمال والتجارة، “الأسعار ترتفع سريعًا، لكن الحلول الإبداعية ترتفع أسرع”.
وفي دراسة حديثة أجرتها جامعة هارفارد عام 2024، تبين أن 64% من الشركات الصغيرة التي طبقت استراتيجيات التسعير الذكي (مثل أو بى إس) تمكنت من الحفاظ على استقرارها في ظل تضخم متسارع.
لذلك، قد لا نكون قادرين على إيقاف التضخم، لكن بإمكاننا بالتأكيد التفكير بطرق جديدة للتكيف معه، سواء كنا مستهلكين أو تجارًا.