Skip links

المرأة والمحاسبة: رحلة إنجاز وتأثير في العصر الحديث

LinkedIn
Facebook
X
Pinterest

المحاسبة كمهنة كانت ولا تزال حجر الزاوية في إدارة الأعمال والقطاع العام، والمرأة لعبت دوراً متزايد الأهمية في هذه المهنة عبر قرون. من بدايات متواضعة وشواهد نادرة على التواجد إلى احتلال مناصب عالية في الشركات والمؤسسات المالية، مرّت مشاركة المرأة بتحوّلات اجتماعية وثقافية وتعليمية. هذا المقال يستعرض تاريخ المرأة في المحاسبة، إنجازاتها، التحديات التي واجهتها وتواجهها اليوم، ودورها في تشكيل مستقبل المهنة.

أصول تواجد المرأة في مهنة المحاسبة وتطورها التاريخي

حضور المرأة في المحاسبة ليس حديث العهد، رغم أن وثائق التاريخ تعطي مشهداً يغلب عليه غيابٌ نسبي للسرد عن مساهماتهن. في المجتمعات القديمة كانت نساءٌ يديرن حسابات المنازل والأسواق المحلية، ومع تطور الأعمال ظهرت الحاجة لتوثيق أدق، وبدأت بعض النساء تتعلم مهارات حسابية أساسية. خلال القرنين التاسع عشر والعشرين، مع توسع الإدارات والشركات واحتياجها لكتّاب وحسابات دقيقة، دخلت المرأة المكاتب كمحاسبة أو كاتبة حسابات. وفِي النصف الثاني من القرن العشرين، ومع تزايد فرص التعليم الجامعي للنساء، باتت المشاركة في الدراسة والممارسة المهنية أكثر وضوحاً ومنهجيةً.

رواد ومُبدعات: نساء أثّرن في مسار المحاسبة

شهدت المهنة ظهور شخصيات نسائية برزت بإسهاماتها العلمية والعملية في المحاسبة. بعض النساء قدمن مفاهيم إدارية وطرائق محاسبية أو قمن بتأسيس مكاتب محاسبة ناجحة في مجتمعاتهن. كما لعبت النساء دوراً مهماً في منظمات مهنية ومجالس رقابية، وساهمت في صياغة سياسات مالية ومحاسبية. قصص هؤلاء الرائدات تشكل مصدر إلهام للأجيال الحالية وتوضح أن المسار لم يكن دائماً سهلاً لكنه جعَل من الممكن للمرأة أن تنافس وتبتكر في مجال دقيق وحساس كالمحاسبة.

التعليم المهني والأكاديمي للنساء في المحاسبة

التحاق النساء بكليات الاقتصاد وإدارة الأعمال والمحسوبية زاد بشكل كبير خلال العقود الأخيرة، إذ أصبح التعليم الأكاديمي والمنح والتدريب العملي مفتاحاً لدخول المهنة. برامج الماجستير والتخصصات المهنية مثل المحاسبة المالية، التدقيق، والضرائب باتت تجتذب أعداداً متزايدة من الطالبات. كما لعبت الدورات المعتمدة والشهادات المهنية الدولية دوراً في تمكين النساء من التدرج في السلم الوظيفي والحصول على اعتماديات تؤهلهن لتولي وظائف عالية المسؤولية.

التحديات والقيود التي تواجهها المرأة في مجال المحاسبة

على الرغم من التقدم، تتعرض النساء في المحاسبة لعدد من التحديات الهيكلية والثقافية. منها فجوات الأجور بين الجنسين، وصعوبات الوصول إلى المناصب القيادية، والتحامل اللاواعي في تقييم الأداء. كما تتداخل قضية التوازن بين العمل والحياة الشخصية، خاصة في المناصب التي تتطلب ساعات طويلة أو سفر متكرر. وتبقى العقبات في بعض الثقافات هي الأكثر تأثيراً، حيث تقيد التوقعات الاجتماعية مسار التطور المهني للمرأة.

أدوار المرأة في القطاعات المختلفة: خاص وعام ومؤسساتية

المرأة اليوم تعمل في مجالات محاسبية متنوعة: من مكاتب المحاسبة والتدقيق الخاصة إلى إدارات المحاسبة في الشركات الكبرى، وكذلك في القطاع العام والهيئات غير الربحية. في القطاع الخاص تشغل مناصب مثل محاسب مالي، مدقق داخلي، مدير حسابات، ومدير مالي. في القطاع العام تشارك في إعداد الميزانيات، الرقابة المالية، ومراجعة السياسات، بينما في المنظمات غير الربحية تلعب دوراً أساسياً في ضمان الشفافية وإدارة الموارد المحدودة بكفاءة.

القيادة النسائية في المحاسبة وتأثيرها على ثقافة المؤسسات

وجود النساء في مواقع اتخاذ القرار المالية يغيّر ديناميكيات المؤسسات وثقافاتها الإدارية. القائدات في المحاسبة يجلبن أساليب قيادة متنوعة ترتكز على الشفافية والتواصل والتعاون، مما قد يؤدي إلى اتخاذ قرارات أكثر شمولية واستدامة. كما أن تمثيل المرأة في مجالس الإدارة واللجان المالية يساهم في تحسين الحوكمة وتقليل المخاطر المالية عبر الاطلاع على زوايا مختلفة وتحفيز سياسات عمل تراعي التوازن والمساءلة.

التكنولوجيا والرقمنة: فرصة وتحدي للنساء المحاسبات

التحول الرقمي في المحاسبة، من أنظمة ERP إلى التحليلات والذكاء الاصطناعي، يفتح آفاقاً كبيرة لتعزيز كفاءة العمل وتوسيع مهام المحاسبة. هذا التطور يتيح للنساء فرصاً للتميز في تخصصات حديثة مثل تحليل البيانات المالية، الحوكمة التقنية، وأمن المعلومات المالية. ومع ذلك، يتطلب الأمر تهيئة المهارات الرقمية والتدريب المستمر، وقد تواجه النساء تفوقاً تقنياً لدى بعض نظرائهن إن لم تتحقق برامج تدريب ومبادرات تمكين كافية.

التشريعات والممارسات الأخلاقية وتأثيرها على انخراط المرأة

الأطر القانونية والتنظيمية المتعلقة بالعمل والتمييز والمساواة تلعب دوراً أساسياً في تمكين المرأة في مهنة المحاسبة. قوانين العمل التي تدعم إجازات الأمومة، وحماية من التمييز، وسياسات المرونة الوظيفية تساهم في رفع معدلات مشاركة المرأة. من جانب آخر، ممارسات أخلاقية داخل المؤسسات تضمن حقوق العاملات وتكافؤ الفرص في الترقيات والتعويضات، مما يعزز استدامة المساهمة النسائية في المهنة.

ريادة الأعمال والمحاسبة: نساء يؤسسن مكاتب وخدمات محاسبية مبتكرة

لم تقتصر مساهمة المرأة على التوظيف داخل مؤسسات قائمة، بل امتدت إلى تأسيس مكاتب محاسبة واستشارات مالية وشركات حلول تقنية مالية. رائدات الأعمال في المحاسبة يقدمن نماذج خدمات تلائم الشركات الصغيرة والمتوسطة وتبتكر حلولاً للامتثال والتمويل والتحليل المالي. هذه المبادرات تساعد على خلق فرص توظيف جديدة وتوسيع نطاق التأثير المالي للمرأة في الاقتصاد المحلي والعالمي.

التوازن بين العمل والحياة الشخصية: تجارب واقتراحات عملية

إحدى القضايا المحورية للنساء في المحاسبة هي كيفية تحقيق توازن فعّال بين مسؤوليات العمل والمتطلبات الأسرية والاجتماعية. التجارب الشخصية تشير إلى أهمية سياسات العمل المرنة، العمل عن بعد، توزيع المسؤوليات داخل الأسرة، والدعم المؤسسي من خلال برامج العودة إلى العمل بعد الإجازة. كما أن الاستراتيجيات الفردية مثل إدارة الوقت الفعّالة والتفويض وبناء شبكات دعم مهنية وشخصية تلعب دوراً مهماً في تحقيق التوازن المطلوب دون التضحية بالجودة المهنية.

مستقبل المرأة في المحاسبة: اتجاهات وفرص متوقعة

تتجه مهنة المحاسبة نحو تداخل أكبر مع التكنولوجيا والبيانات والممارسات الاستراتيجية، ما يفتح فرصاً واسعة أمام المرأة المتعلمة والمتدربة في هذه المجالات. سيزداد الطلب على مهارات تحليل البيانات، الرقابة التقنية، والمعرفة التنظيمية المتقدمة. إذا استمرت السياسات الداعمة للتوازن المهني والتدريب والتمكين، فمن المتوقع أن نرى نمواً في نسبة النساء في المناصب القيادية والمهنية العليا في المحاسبة خلال العقود القادمة.

التعاون والشبكات المهنية: أهمية بناء جسور الدعم النسائي

شبكات الدعم والمجتمعات المهنية تعتبر أدوات أساسية لتمكين المرأة في المحاسبة. الانخراط في جمعيات مهنية، مجموعات التوجيه والإرشاد (mentoring)، ومبادرات التطوير المهني يمهد الطريق لتبادل الخبرات، فرص التدريب، وإيجاد مرشحين مناسبين للمناصب القيادية. دعم أقران العمل من النساء والرجال على حد سواء يعزز الإدماج ويقلل الحواجز أمام التقدم المهني.

// نصائح مفيدة

نصيحة 1: استثمار في التعليم المستمر — احرصي على متابعة الدورات المهنية الحديثة والشهادات المعتمدة مثل المحاسبة التنظيمية، التحليل المالي، وبرامج التحول الرقمي، فالتعليم المستمر يرفع من قيمتك المهنية ويفتح أبواب التخصص.
نصيحة 2: بناء شبكة مهنية قوية — انخرطي في جمعيات مهنية ومجموعات مهنية وكوني على تواصل مع مرشدين ومحترفين في المجال؛ الشبكات توفر فرص عمل وتبادل معرفي.
نصيحة 3: تطوير المهارات التقنية — تعلمي أدوات المحاسبة الحديثة، برامج ERP، وبرمجيات تحليل البيانات لأن القدرة التقنية أصبحت مطلباً أساسياً للتميز.
نصيحة 4: العمل على مهارات القيادة والحوكمة — لا تقتصري على المهارات الفنية فقط، بل طوري مهارات إدارة الفرق، التواصل الاستراتيجي، وفهم الحوكمة المؤسسية لتتألقي في المناصب العليا.
نصيحة 5: التفاوض على الأجر والفرص — تعرفي على قيمتك السوقية ولا تترددي في التفاوض على الأجر وفرص الترقي، فالكثير من فجوات الأجر تنجم عن عدم التفاوض.
نصيحة 6: طلب المرونة عند الحاجة — ناقشي مع أصحاب العمل ترتيبات عمل مرنة أو جزئية عند الضرورة لتحقيق توازن صحي بين العمل والحياة دون التخلي عن تقدمك المهني.
نصيحة 7: الاحتفاظ بسجل إنجازات واضح — سَجِّلي إنجازاتك ومشروعاتك بشكل دوري لتسهيل عمليات تقييم الأداء والتقدم للحصول على مناصب أعلى.
نصيحة 8: تنمية الذكاء العاطفي والقدرة على التفاوض — هذه المهارات تسهل إدارة النزاعات، بناء علاقات عمل قوية، والتأثير في محيط العمل.
نصيحة 9: التفكير في ريادة الأعمال — إذا واجهتِ حدوداً داخل المؤسسات، فكري في تأسيس مكتب محاسبة أو استشارة متخصصة قد تمنحكِ تحكماً أكبر وإمكانيات نمو أوسع.
نصيحة 10: المساهمة في التوجيه والإرشاد — ساهمي في دعم النساء الأخريات من خلال الإرشاد والتدريب، فالعطاء يعزز الشبكات ويخلق بيئة مهنية أكثر عدلاً واستدامة.


إحصائيات هامة

  1. نسب التخرج: تقريباً بين 50% و60% من خريجي برامج المحاسبة والمالية في العديد من البلدان هم من النساء، مما يعكس تمثيلاً قوياً على مستوى التعليم.
  2. التمثيل في المناصب العليا: نسبة النساء في مناصب المدير المالي (CFO) تتراوح تقريباً بين 20% و30% في الشركات الكبرى في الأسواق المتقدمة، مع اختلافات إقليمية واضحة.
  3. فجوة الأجور: النساء في قطاع المحاسبة يكسبن تقريباً بين 10% إلى 25% أقل من نظرائهن الذكور في مستويات خبرة متقاربة في بعض الأسواق، حسب تقديرات سوق العمل.
  4. التواجد في مكاتب كبيرة: في شركات المحاسبة الكبرى، تشكل النساء نسبة متزايدة في المستويات المبتدئة والمتوسطة (قد تصل إلى 40%-50%)، لكن نسبهن تقل في المناصب الشريكة والشخصيات القيادية العليا.
  5. تأثير التدريب الرقمي: الموظفون الحاصلون على تدريب متقدم في تحليل البيانات وأنظمة المحاسبة الرقمية يظهرون زيادة في فرص الترقّي بنسبة تقريبية قد تصل إلى 30%.
  6. طلب المهارات الجديدة: أكثر من نصف أصحاب العمل في القطاع المالي يشيرون إلى حاجتهم لمهارات في التحليل الرقمي والذكاء الاصطناعي عند توظيف المحاسبين الجدد.
  7. مرونة العمل: برامج العمل المرن وإجازات الأمومة المدعومة ترتبط بزيادة مشاركة المرأة في القطاع المالي بنسب تُقدّر تقريباً بين 15% و25% في المؤسسات التي تعتمد سياسات داعمة.


أسئلة شائعة !

س: ما المؤهلات الأساسية للدخول في حقل المحاسبة؟
ج: المؤهلات الأساسية عادة تشمل شهادة جامعية في المحاسبة أو المالية أو ما يعادلها، ودورات مهنية معتمدة حسب المتطلبات المحلية (مثل شهادات المحاسبة المعتمدة). الخبرة العملية والتدريب العملي مهمان أيضاً.

س: هل تحتاج المرأة إلى مهارات تقنية خاصة لتنجح في المحاسبة اليوم؟
ج: نعم، المهارات التقنية أصبحت ضرورية، ومنها إجادة برامج المحاسبة وأنظمة ERP، مهارات تحليل البيانات لاستخلاص رؤى مالية، وفهم أساسيات أمن المعلومات والمعالجة الرقمية للمعاملات.

س: كيف يمكن للمرأة تحقيق توازن بين العمل والمطالَب الأسرية في مهنة تتطلب ساعات طويلة؟
ج: عبر البحث عن مؤسسات تقدم سياسات عمل مرنة، التفاوض على ترتيبات العمل، التفويض الفعّال، وتنظيم الوقت، بالإضافة إلى بناء شبكة دعم داخل الأسرة وخارجها لتقاسم المسؤوليات.

س: ما فرص التقدم إلى مناصب قيادية في حال وجود فجوة جنسَية في الترقيات؟
ج: الفرص موجودة لكن قد تتطلب استراتيجية واضحة: تطوير مهارات القيادة، البحث عن مرشدين، إظهار إنجازات قابلة للقياس، والمشاركة في مشاريع استراتيجية عالية الأثر لزيادة الرؤية المهنية.

س: هل المحاسبة مجال مناسب للانتقال بين الدول والعمل الدولي؟
ج: نعم، المحاسبة والممارسات المالية قابلة للتطبيق عالمياً إلى حد كبير، خاصة مع شهادات مهنية معترف بها دولياً وبرامج معادلة المؤهلات، مما يسهل التنقل الوظيفي بين الدول.

س: ما أهمية الشهادات المهنية مقابل الشهادات الجامعية في المحاسبة؟
ج: الشهادات الجامعية توفر الأساس النظري، بينما الشهادات المهنية (مثل المحاسبة المعتمدة) تعزز الاعتماد العملي والاعتراف المهني وتُسهِم في فرص التوظيف والترقّي، والأفضل الجمع بينهما.

س: كيف يمكن للنساء دعم بعضهن البعض في قطاع المحاسبة؟
ج: من خلال إنشاء شبكات توجيه، مشاركة الخبرات، تسهيم فرص التدريب والتوظيف، والمناصرة لسياسات مرنة وعادلة داخل المؤسسات، ما يعزز من فرص التوازن والتقدم للجميع.


الخاتمة

المرأة في محال المحاسبة ليست مجرد حضور وظيفي بل هي قوة فاعلة أعادت تشكيل معايير الممارسة المهنية والقيادة المالية. لقد قطعت النساء شوطاً كبيراً من ممارسات محاسبة منزلية إلى المناصب الاستراتيجية في الشركات والمؤسسات، ومع ذلك ما زالت هناك تحديات تتطلب سياسات داعمة وتدريباً مهنياً مستمراً. المستقبل يحمل فرصاً واعدة مع التحول الرقمي والتغيرات في ثقافة العمل، وإذا ما تم تعزيز التعليم والتشجيع على القيادة والمساواة، فستصبح المرأة عنصراً مركزياً ليس فقط في تنفيذ العمل المحاسبي بل في صياغة سياسات الاقتصاد والحوكمة المالية.

Author

Leave a comment