Skip links

كيفية تطوير إدارة المشتريات بشركتك ؟ من مركز تكلفة إلى محرك للقيمة الإستراتيجية

في عالم الأعمال المعاصر الذي يتسم بالديناميكية والتنافسية الشديدة، لم تعد إدارة المشتريات مجرد وظيفة إدارية تهدف إلى شراء السلع والخدمات بأقل سعر ممكن. بل تحولت إلى وظيفة إستراتيجية معقدة تلعب دورًا محوريًا في تحقيق أهداف الشركة العليا، من تعزيز الإبتكار وخفض المخاطر إلى دعم الإستدامة وبناء ميزة تنافسية حقيقية. إن تطوير هذه الإدارة لم يعد خيارًا، بل ضرورة حتمية للشركات التي تطمح للنمو والإزدهار في بيئة إقتصادية متغيرة. يتطلب هذا التحول رؤية واضحة، وإستثمار في التكنولوجيا، وتنمية للمواهب، وتغيير في الثقافة التنظيمية لتصبح المشتريات شريكًا إستراتيجيًا حقيقيًا في نجاح المؤسسة.

فهم الدور الإستراتيجي للمشتريات الحديثة

لقد تجاوزت المشتريات دورها التقليدي المتمثل في تنفيذ أوامر الشراء. اليوم، يُتوقع من فرق المشتريات أن تكون جزءًا لا يتجزأ من التخطيط الإستراتيجي للشركة. هذا يعني المشاركة في مراحل مبكرة من تطوير المنتجات، وتقديم رؤى حول أسواق الموردين، وتحديد فرص خفض التكلفة الإجمالية للملكية (TCO) بدلاً من التركيز فقط على سعر الشراء الأولي. يجب على الإدارة العليا أن تمنح قسم المشتريات الصلاحيات اللازمة للمساهمة في إتخاذ القرارات الكبرى، مما يضمن أن تكون قرارات الشراء متوافقة تمامًا مع الأهداف طويلة الأجل للمؤسسة، سواء كانت تتعلق بالتوسع في أسواق جديدة أو تحقيق الريادة في مجال الإبتكار.

تبني التكنولوجيا والتحول الرقمي

يمثل التحول الرقمي حجر الزاوية في تطوير إدارة المشتريات. إن إستخدام أنظمة تخطيط موارد المؤسسات (ERP)، ومنصات الشراء الإلكتروني (e-Procurement)، وأدوات تحليل الإنفاق، يمكن أن يحدث ثورة في طريقة عمل الفريق. هذه التقنيات لا تساهم فقط في أتمتة المهام الروتينية المتكررة مثل إصدار طلبات الشراء والموافقات، بل توفر أيضًا شفافية كاملة في عمليات الإنفاق، وتمكّن من جمع البيانات وتحليلها بشكل فعال. إن إستثمار الشركة في هذه الأدوات هو إستثمار مباشر في الكفاءة والشفافية والقدرة على إتخاذ قرارات أكثر ذكاءً وسرعة.

تحليل البيانات كأداة لإتخاذ القرار

في عصر البيانات الضخمة، أصبحت القدرة على جمع وتحليل بيانات المشتريات ميزة تنافسية هائلة. يجب على إدارة المشتريات تطوير قدراتها في “تحليل الإنفاق” (Spend Analysis) لفهم أين تذهب أموال الشركة بالتفصيل. يساعد هذا التحليل في تحديد فرص التوفير، وتوحيد المشتريات من موردين أقل عددًا للحصول على شروط أفضل، ومراقبة أداء الموردين، وإكتشاف أي إنفاق غير متوافق مع السياسات. إن الإعتماد على البيانات الدقيقة بدلاً من الحدس يمكّن فريق المشتريات من تقديم توصيات مدروسة ومبنية على أدلة قوية للإدارة العليا.

بناء علاقات قوية ومستدامة مع الموردين

لقد تغيرت النظرة إلى الموردين من كونهم مجرد بائعين إلى كونهم شركاء إستراتيجيين في النجاح. إن إدارة علاقات الموردين (SRM) بفعالية تعني بناء الثقة، وتعزيز التواصل المفتوح، والتعاون في مجال الإبتكار وتطوير المنتجات. بدلاً من الضغط المستمر على الموردين لخفض الأسعار، تركز الإدارة الحديثة على خلق قيمة مشتركة. يمكن للموردين الإستراتيجيين أن يقدموا رؤى قيمة حول السوق، ويشاركوا في تحمل المخاطر، ويضمنوا أولوية التوريد لشركتك في أوقات الأزمات، مما يجعل العلاقة معهم إستثمارًا طويل الأجل وليس مجرد صفقة قصيرة الأمد.

إدارة المخاطر في سلسلة التوريد

أظهرت الأحداث العالمية الأخيرة مدى هشاشة سلاسل التوريد العالمية. تقع على عاتق إدارة المشتريات مسؤولية كبيرة في تحديد وتقييم وتخفيف هذه المخاطر. يشمل ذلك تنويع قاعدة الموردين لتجنب الإعتماد على مصدر واحد، وتقييم الإستقرار المالي والجغرافي للموردين الرئيسيين، ووضع خطط طوارئ لمواجهة إضطرابات محتملة في التوريد. إن النهج الإستباقي في إدارة المخاطر لا يحمي الشركة من الخسائر المحتملة فحسب، بل يعزز أيضًا من مرونتها وقدرتها على التكيف مع التحديات غير المتوقعة.

التوجه نحو المشتريات المستدامة والأخلاقية

أصبح المستهلكون والمستثمرون على حد سواء يولون إهتمامًا متزايدًا بالجوانب البيئية والإجتماعية وحوكمة الشركات (ESG). تلعب المشتريات دورًا حاسمًا في تحقيق أهداف الإستدامة للشركة من خلال إختيار الموردين الذين يلتزمون بالمعايير البيئية، ويحترمون حقوق العمال، ويعملون بشكل أخلاقي. إن تبني ممارسات الشراء المستدامة لا يعزز فقط سمعة العلامة التجارية ويجذب المواهب، بل يمكن أن يؤدي أيضًا إلى خفض التكاليف على المدى الطويل من خلال كفاءة إستخدام الموارد وتقليل النفايات.

تطوير مهارات فريق المشتريات

لكي تواكب إدارة المشتريات هذا التحول، يجب أن يمتلك أعضاء الفريق مهارات تتجاوز التفاوض التقليدي. أصبح من الضروري أن يتمتعوا بمهارات تحليلية قوية، وفهم عميق للتكنولوجيا، وقدرة على إدارة المشاريع، ومهارات تواصل ممتازة للتفاعل بفعالية مع الإدارات الأخرى والموردين. يجب على الشركة أن تستثمر في برامج التدريب والتطوير المستمر لتزويد فريق المشتريات بالمعرفة والأدوات اللازمة للنجاح في دورهم الإستراتيجي الجديد، بما في ذلك التدريب على الذكاء الإصطناعي وتحليل البيانات.

تعزيز التعاون بين الإدارات المختلفة

لا يمكن لإدارة المشتريات أن تعمل في معزل عن باقي إدارات الشركة. يعد التعاون الوثيق مع أقسام مثل المالية، والعمليات، والتسويق، والبحث والتطوير أمرًا حيويًا. على سبيل المثال، يضمن التعاون مع المالية توافق عمليات الشراء مع الميزانيات والتدفقات النقدية. كما أن التنسيق مع فريق العمليات يضمن تسليم المواد في الوقت المناسب لتجنب تعطيل الإنتاج. إن بناء جسور من التواصل والتعاون يضمن أن تكون قرارات الشراء متكاملة وتخدم المصلحة العامة للشركة.

الإحترافية في إدارة العقود والتفاوض

تعتبر العقود هي الأساس القانوني والتجاري للعلاقة مع الموردين. يجب على فريق المشتريات أن يمتلك خبرة عالية في صياغة ومراجعة وإدارة العقود لضمان حماية مصالح الشركة. هذا يشمل تحديد شروط واضحة للدفع والتسليم والجودة، ووضع مؤشرات أداء رئيسية (KPIs) قابلة للقياس، وتضمين بنود لإدارة المخاطر وحل النزاعات. كما أن مهارات التفاوض المتقدمة التي تركز على تحقيق “الفوز للطرفين” تساهم في بناء علاقات قوية وتحقيق أفضل قيمة ممكنة.

قياس الأداء وتحديد المؤشرات الرئيسية (KPIs)

“ما لا يمكن قياسه، لا يمكن إدارته.” لتطوير إدارة المشتريات، من الضروري وضع مجموعة واضحة من مؤشرات الأداء الرئيسية التي تتجاوز مجرد تحقيق الوفورات في التكاليف. يمكن أن تشمل هذه المؤشرات: نسبة الإنفاق المُدار، ومستوى أداء الموردين (On-Time Delivery)، ومعدل الإمتثال للعقود، ومستوى المخاطر في سلسلة التوريد، ومساهمة المشتريات في مشاريع الإبتكار. تتيح هذه المؤشرات للإدارة تقييم أداء القسم بشكل موضوعي وتحديد مجالات التحسين المستمر.

تشجيع ثقافة الإبتكار والتحسين المستمر

يجب أن تكون إدارة المشتريات بيئة تشجع على الإبتكار والتفكير خارج الصندوق. يمكن تحقيق ذلك من خلال تمكين الموظفين من إقتراح أفكار جديدة لتحسين العمليات، والبحث المستمر عن تقنيات وموردين جدد، وتنظيم ورش عمل وجلسات عصف ذهني مع الموردين والإدارات الأخرى. إن تبني عقلية التحسين المستمر (Kaizen) يضمن أن إدارة المشتريات لا تتطور لمرة واحدة فقط، بل تظل في حالة دائمة من التكيف والتحسن لمواكبة متغيرات السوق وتحقيق أقصى قيمة للشركة.



|||| نصائح مفيدة

1. إبدأ بتحليل شامل للإنفاق: قبل إتخاذ أي خطوة، عليك أن تعرف أين تذهب أموالك. قم بتحليل مفصل لنفقات الشركة لتحديد أكبر فئات الإنفاق، وأهم الموردين، وفرص التوفير الكامنة.

2. أتمتة العمليات الروتينية: إستخدم التكنولوجيا لأتمتة المهام المتكررة مثل إنشاء طلبات الشراء والموافقات. هذا يحرر وقت فريقك للتركيز على الأنشطة الإستراتيجية ذات القيمة الأعلى مثل إدارة العلاقات مع الموردين وتحليل السوق.

3. قسّم الموردين إلى شرائح: لا تعامل جميع الموردين بنفس الطريقة. قسّمهم إلى فئات (إستراتيجي، تكتيكي، تشغيلي) بناءً على أهميتهم وحجم الإنفاق، وطوّر إستراتيجية إدارة مختلفة لكل شريحة.

4. إستثمر في تدريب فريقك: المهارات تتغير. إحرص على توفير تدريب مستمر لفريق المشتريات في مجالات مثل تحليل البيانات، وإدارة المخاطر، والتفاوض الإستراتيجي، وأحدث التقنيات.

5. ركز على التكلفة الإجمالية للملكية (TCO): لا تنظر فقط إلى سعر الشراء. قم بتقييم التكلفة الإجمالية التي تشمل الشحن، الصيانة، التدريب، وتكاليف التشغيل على مدار عمر المنتج أو الخدمة لإتخاذ قرار أكثر حكمة.

6. ضع سياسات وإجراءات واضحة: تأكد من وجود دليل سياسات واضح لعمليات الشراء يلتزم به الجميع في الشركة. هذا يضمن الإمتثال، ويعزز الشفافية، ويمنع الإنفاق غير المصرح به.

7. عزز التواصل مع الإدارات الأخرى: إجعل فريق المشتريات شريكًا إستباقيًا للإدارات الأخرى. عقد إجتماعات دورية لفهم إحتياجاتهم ومواءمة أهداف المشتريات مع أهدافهم.

8. راجع العقود بشكل دوري: لا تضع العقود في الدرج وتنساها. قم بمراجعتها بانتظام للتأكد من أن الموردين يلتزمون بالشروط، ولتحديد ما إذا كانت هناك حاجة لإعادة التفاوض بناءً على متغيرات السوق.

9. إستخدم الذكاء الإصطناعي لمراقبة السوق: إستفد من أدوات الذكاء الإصطناعي والتحليل التنبؤي لمراقبة أسعار المواد الخام، وتقييم إستقرار الموردين، وتوقع الإتجاهات المستقبلية للسوق.

10. اربط أهداف المشتريات بالأهداف العليا للشركة: تأكد من أن كل هدف تضعه لإدارة المشتريات (مثل خفض التكلفة، أو تحسين الجودة، أو دعم الإستدامة) يساهم بشكل مباشر في تحقيق الرؤية الإستراتيجية الشاملة لشركتك.



إحصائيات هامة //

  • الشركات التي تتبنى نهجًا إستراتيجيًا في المشتريات تحقق وفورات في التكاليف تزيد بنسبة 15% عن الشركات التي تتبع نهجًا تقليديًا.

  • التحول الرقمي الكامل لعمليات “من الشراء إلى الدفع” (Procure-to-Pay) يمكن أن يقلل تكاليف معالجة الطلبات بنسبة تصل إلى 40%.

  • وفقًا لإستطلاع عالمي، 74% من الشركات واجهت إضطرابًا في سلسلة التوريد الخاصة بها خلال العام الماضي بسبب عوامل خارجية.

  • يمكن لإدارة علاقات الموردين الفعالة أن تساهم في زيادة الإبتكار المشترك بين الشركة والمورد بنسبة تصل إلى 20%.

  • الشركات الرائدة في مجال المشتريات تخصص حوالي 1.8% من إجمالي إنفاقها على التكنولوجيا المخصصة للمشتريات، مما يحقق عائدًا كبيرًا على الإستثمار.

  • ما يقرب من 60% من قادة المشتريات العالميين يعتبرون إدارة المخاطر وتأمين التوريد أولويتهم القصوى في العام الحالي.

  • الشركات التي تدمج معايير الإستدامة في قرارات الشراء الخاصة بها تشهد تحسنًا في سمعة علامتها التجارية بنسبة تتجاوز 30% لدى المستهلكين المهتمين بالبيئة.


أسئلة شائعة !

س1: ما هو الفرق الجوهري بين الشراء (Purchasing) والمشتريات (Procurement)؟

ج1: الشراء هو عملية تكتيكية تتعلق بتنفيذ معاملة شراء سلعة أو خدمة، مثل إصدار أمر شراء وإستلام فاتورة. أما المشتريات فهي عملية إستراتيجية أشمل وأوسع نطاقًا تبدأ من تحديد الإحتياجات، والبحث عن الموردين وتقييمهم، والتفاوض على العقود، وإدارة العلاقات مع الموردين، وتحليل الإنفاق، وإدارة المخاطر. الشراء هو جزء من عملية المشتريات الأكبر.

س2: كيف يمكنني البدء في تطوير إدارة المشتريات بميزانية محدودة؟

ج2: يمكنك البدء بخطوات لا تتطلب إستثمارًا ماليًا كبيرًا. إبدأ بإجراء تحليل يدوي للإنفاق بإستخدام جداول البيانات. قم بتحسين عمليات التواصل مع الإدارات الأخرى. ركز على بناء علاقات أقوى مع مورديك الحاليين. قم بصياغة سياسات وإجراءات واضحة للشراء. هذه الخطوات الأولية ستحقق نتائج ملموسة وتبرر أي إستثمار مستقبلي في التكنولوجيا.

س3: كيف أقيس نجاح إدارة المشتريات في شركتي؟

ج3: لا تقصر القياس على “خفض التكاليف” فقط. إستخدم مجموعة متوازنة من مؤشرات الأداء الرئيسية (KPIs) مثل: نسبة الوفورات المحققة، ومستوى الإلتزام بالعقود، ودقة تسليم الموردين في الوقت المحدد، وعدد الموردين الإستراتيجيين، ومستوى رضا الإدارات الداخلية عن خدمة قسم المشتريات، ومقدار المخاطر التي تم تخفيفها في سلسلة التوريد.

س4: لماذا تعتبر إدارة علاقات الموردين (SRM) مهمة إلى هذا الحد؟

ج4: لأنها تحول العلاقة من علاقة “خصومة” قائمة على السعر فقط إلى علاقة “شراكة” قائمة على القيمة. الموردون الذين يشعرون بالتقدير كشركاء هم أكثر إستعدادًا لمشاركة الإبتكارات، وتقديم شروط أفضل، ومنحك الأولوية في أوقات الأزمات، والعمل معك لحل المشكلات بشكل إستباقي. هذه الميزة التنافسية لا تقدر بثمن على المدى الطويل.

س5: ما هو الدور الذي يلعبه الذكاء الإصطناعي في المشتريات الحديثة؟

ج5: يلعب الذكاء الإصطناعي دورًا تحويليًا. يمكنه تحليل كميات هائلة من البيانات لتحديد أنماط الإنفاق وفرص التوفير التي لا يمكن للبشر رؤيتها. كما يُستخدم في أتمتة عمليات التفاوض البسيطة، والتنبؤ بأسعار السلع، وتقييم مخاطر الموردين بشكل فوري عبر تحليل الأخبار والبيانات المالية، وتقديم توصيات ذكية لفريق المشتريات، مما يجعل عملية إتخاذ القرار أسرع وأكثر دقة.


خاتمة

إن تطوير إدارة المشتريات لم يعد رفاهية، بل هو عمود فقري لنجاح أي شركة تسعى إلى المرونة والنمو في القرن الحادي والعشرين. من خلال التحول من دورها التشغيلي إلى دور إستراتيجي، وتبني التكنولوجيا والبيانات، والإستثمار في المواهب والعلاقات، يمكن لإدارة المشتريات أن تصبح محركًا قويًا لخلق القيمة، وتعزيز الإبتكار، وبناء ميزة تنافسية مستدامة تضمن للشركة مكانتها الريادية في السوق. إن الرحلة نحو مشتريات حديثة وفعالة هي إستثمار في مستقبل الشركة بأكمله.

LinkedIn
Facebook
X
Pinterest

Leave a comment